ترك النبي صلى الله عليه وسلم أرض مكة لأنها أرض صلبة لاتقبل التوحيد , وراح يبحث
عن أرض جديدة وذهب إلى أرض الطائف ..
مشى على قدميه أكثر من 70 كيلو لم يجد دابة ليركبها , ومع ذلك فعل به أهل الطائف
أسوأ وأخس مايفعله الإنسان بالإنسان ,, ,, ,, سلطوا عليه السفهاء والصبيان , وهكذا
عانى صلى الله عليه وسلم أشد المعاناة , فلم يجد بُداً أمام هذه الضربات المتلاحقة
وأمام هذه الهجمات الشرسة إلا أن يفكر في الهجرة مرة أخرى بعد أن أمر أصحابه
بالهجرة إلى الحبشة مرتين
" " لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ أُولَـٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴿الحشر: 8﴾ " " .
ويهاجر هو- بأبي وأمي وروحي صلى الله عليه وسلم - من مكة إلى المدينة بعد ان مهد
الأنصار الأطهار الأبرار الأخيار طريق الهجرة بالتضحية والحب , ,بايعوا النبي صلى الله
عليه وسلم في العقبة الثانية على::
* الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
* على البذل والنشاط
* على أن يمنعوه إذا هاجر إليهم مما يمنعوا منه أنفسهم وأولادهم وأموالهم ... ولهم الجنة
" " وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿9﴾ " "
فالأمة الآن تحتفل بذكرى هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم , لكني أقول بإطمئنان
كامل بأن الأمة لم تستوعب إلى الآن درس الهجرة , ولم تعي الأمة إلى الآن حقيقة
التضحية والحب الذي بُذل في هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم
وما أكثر الذين يرحلون , ولكن الهجرة كُرمت وشُرفت وصارت أروع حدث في التاريخ
الإنساني كله لأنها تُجسد حقيقة التوحيد بدين الله , ويُجسد قيمة الحب الذي نُسج في صورة عباءة رقراقة لسيدنا رسول الله , وماكُرِمت الهجرة إلا أنها انتقال عقديّ وفكريّ , وانتقال تعبديّ وانتقال شعوريّ , , , وماكُرِمت الهجرة إلا لأنها تُجسِد حقيقة التضحية وحقيقة الحب لهذا الدين ولصاحب هذه الهجرة عليه ازكى الصلاة والسلام .
نظر الله إلى قلوب أهل الأرض , فوجد قلب محمد خير قلوب أهل الأرض فاصطفاه
لرسالته ونبوته , ثم نظر في قلوب أهل الأرض فوجد قلوب أصحابه خير قلوب أهل الأرض
فاصطفاهم وجعلهم وزراء لنبيه يقاتلون عنه وعن دينه صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
فلتعي الأمة حقيقة التضحية والحب قط , ولن تُمكن الأمة قط , ولن تسعد في الدنيا
والآخرة إلا إذا وعت الدرس وضحت من جديد بالأموال والأوقات والزوجات والأولاد والعقول لنصرة دين الله ولنصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجسدت الحب للمصطفى , , , فالحب ليس كلمات ترددها الألسنة وتطير الكلمات في الهواء .. ولكن الحب اتباع
" " قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿آل عمران: 31﴾ " "
وأختم بهذا المشهد الذي يتألق حباً لايستطيع بليغٌ أن يعبر عنه , اسمع ماذا قال "سعد" الرجل الذي يحتضر ويلفظ أنفاسه الأخيرة ويرى عالم الآخرة , انظر إلى تعلق قلبه بالحبيب المصطفى , يقول زيد : رسول الله يُقرأك السلام ويقول لك كيف تجدُك ؟ ( كيف حالك ) , فقال له أٌقرأ رسول الله مني السلام وعليك يازيد وقل له جزاك الله عنا خيراً يارسول الله والله إني لأجد ريح الجنة , ثم التفت سعد بن الربيع إلى زيد بن ثابت وقال له : أقرأ قومي من الأنصار السلام , وقل لهم والله لاعذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله مكروهٌ وفيكم عينٌ تطرف .
والله لاعذر لنا عند الله .. إن لم نُطع رسول الله ...
إذا كانت الهجرة بالأبدان كانت قد انقطعت فقد بقيت هجرة القلوب ولا تنقطع حتى يرث الله الأرض ومن عليها
هاجر الآن ..
هاجر من الشرك إلى التوحيد ..
هاجر من البدعة إلى السنة ..
هاجر من الحرام إلى الحلال ..
هاجر من الفجور إلى التقوى ..
هاجر من الشر إلى الخير ..
هاجر من أكل الربا إلى أكل الحلال ..
هاجر من الكذب إلى الصدق ..
هاجر من البعد عن الله بالجملة إلى القرب من الله بالجملة ..
واعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الصحيحين من حديث ابن عمر :: لاهجرة بعد الفتح ولكن جهادٌ ونية ::
فلابد أن نهاجر من المعاصي إلى الطاعات ,, ولابد أن نهاجر من النفاق كله إلى الإيمان كله , واعلم أن العبادة في الزمن الذي نحياه أجرها كأجر من هاجر إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم , ففي صحيح مسلم من حديث معقل ابن يسار أن النبي المختار صلى الله عليه وسلم قال :: العبادة في الهرج كهجرة إليّ::.
الراوي: معقل بن يسار المحدث:مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2948
خلاصة حكم المحدث: صحيح
الهرج ( أي في الفتن وزمانها )
اُذكر نفسي واخواني بهجرة القلوب إلى علام الغيوب جلّ وعلا .. .. ..
هاجر إلى مايُرضي الله سبحانه وتعالى , وهاجر إلى طاعة الله عز وجلّ ,
وأسأل الله عز وجل ان يرزقني وإياكم فهم الهجرة , واستيعاب دروس الهجرة وأن يُقر أعيننا جميعاً بنصرة الإسلام وعز المسلمين .
الشيخ :: محمد حسان
منقول
تعليق